إخوة الإيمان، إن من يزور كثيرا من بلاد المسلمين في هذه الأيام، ما إن تطأ قدماهُ أرضَهُ، ويتجولُ في شوارع مُدُنِهِا، ويُراقب سلوك الأفراد في مجتمعاتها .. حتى يجدَ أن الصورة التي كانت منطبعة في ذهنهِ، قدِ انقلبت رأساً على عقب.
فما يراه من مظاهر الفرح والابتهاج، وما يلمسه في مختلِفِ فئات المجتمع من تأهبٍ واستعدادٍ لاستقبال عيد الميلاد المسيحي، والاحتفال برأس السنة الجديدة يكذبُ ما كان يسمعه عن بلاد المسلمين وتشبثِ شعوبهاِ بدينهمِ الحنيفِ.
فواجهاتُ المتاجر والمقاهي والفنادق مزينة بالرسوم التي ترمز إلى ميـلاد المسيح وحلـول السنةِ الجديدةِ .. والمصورون بلباس ـ البَابَّاهُمْ نْوِّيلْ ـ يجوبون الشوارعَ ويقفون في الساحات والحدائق ليأخذَ الناسُ لهم ولأطفالهم صـوراً تذكارية بالمناسبةِ.
وباعة الزهور والورود يتنافسون في عرض أقصى ما يستطيعون من أصناف بضاعتهم التي يتسابق الناس إلى شرائها بالغة من الثمن ما بلغت.
والإعداد قائم على قدم وساق في كلِّ جهة ومكان لإحياءِ الحفلات الصاخبةِ التي تقامُ في البيـوت والفنادق بمناسبة ليلة الميلاد، وليلةِ رأس العام الجديد .. وتساهم الفنادق السياحية بجهدٍ كبير في إغراءِ الناس بذلك، حيث تتكرَّمُ بتسهيلاتٍ وامتيازاتٍ لمن يقيم في أكنافها خلال هذه الفترة المشهودة.
والإقبالُ على الخمـور يكتسحُ جميعَ ما في المتاجر والحانات، فلا يبقى كبير ولا صغير، ولا غنيٌّ ولا فقيرٌ إلا نَهَلَ منها بحظ وافر.
ومحلاتُ الحلويات ينفُدُ ما لديْها من أنـواع الحلوياتِ: قديمِها وجديدِها، صالحِها وفاسِدِها، حلوها ومُرِّها... وكأن الحلوى لم تظهر للوجود إلا في هذه الأيام...
وتشارك وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمكتوبة في مظاهـر الحفاوة هذه، فتعِدُّ برامجَ وأحاديثَ وملحقاتٍ للمناسبةِ.
حتى إذا جاءت الليلة الموعودة سَهرَ من يحلو له السهرُ، بما يجبُ أن يكون في تلك الليلة من فسق وزنىً وفجور وخمور، وتفنُّن في ارتكاب شتى المنكراتِ... وما تستحيي الشياطين من ذكره... وكأننا في عاصمةٍ غربيةٍ نصرانيةٍ.
إخوة الإيمان، في الحقيقة، إن هذا التقليدَ الكلِّيَ لما هو غربيٌ، ناتجٌ عن نقصان الإيمان بالله أو انعدامه، مع ضياع العقيدةِ الصحيحةِ أو انعدامها، وانسلاخٌ من مستلزمات التميز الإسلامي، ومنكر يُدخِلنا في دائرةِ من قَـالَ فيهم رَسُولُ اللَّهِ : ((مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ)) ـ أبو داود ـ.
وفي رواية أنه قَالَ: ((لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَشَبَّهَ بِغَيْرِنَا، لَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ وَلَا بِالنَّصَارَى...))[1].
قال الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ: "... وهذا الحديثُ أقلُّ أحواله أنه يقتضي تحريمَ التشبُّهِ بهم، وإن كان ظاهرهُ يقتضي كفرَ المتشبِّهِ بهم، كما في قـوله تعالـى: وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [المائدة:51]".
وتشبُّهُ المسلمين بالكفار هبوط وسفولٌ، لأن المسلمَ أعلى من الكافـر، فإذا قلدَهُ هبط من عليائِهِ ومنزلتِهِ، واستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، وهذا كفرانٌ للنعمةِ وإهانة للإسلام، والإسلامُ يعلو ولا يُعلى عليهِ.
وشريعتنا تقيمُ لنا هدْياً مخالفاً للكفار من أهل الكتاب وغيرهم، فشريعتنا ناسخة لا منسوخة، وأمتنا متبوعة لا تابعة.
روي عَنْ أَنَسٍ ـ ـ قَالَ: ((قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ الْمَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا. فَقَالَ: مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ؟ قَالُوا: كُنَّـا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ. فَقَالَ رَسُـولُ اللَّهِ : إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الْأَضْحَى وَيَوْمَ الْفِطْرِ)) ـ أبو داود ـ.
وعليه ـ أيها الإخوة ـ لا يَحِلُّ لمسلم أن يُحْييَ عيدَ رأس السنةِ، فليسَ عيدُنا أهلَ الإسلام هذا اليوم.
فعلى تجار المسلمين أن لا يساهموا في مظاهر الاحتفال، فيتشبهوا بالتجار من النصارى في نوع التجارة التي يروجون هذه الأيام، وتزيين الدكاكين بالأضواءِ ونحوها.
نقلَ الفقيه المغربيُّ ابنُ الحاج في كتابه المدخل، عن علماء المذهب المالكي أنه: "لا يَحِلُّ للمسلمينَ أن يبيعوا للنصارى شيئاً من مصلحةِ عيدِهمْ، لا لحْماً ولا إداماً ولا ثوباً... ولا يعانون على شيءٍ من دينهم. لأن ذلك من التعظيم لشركهم وعونهم على كفرهم، وينبغي للسلاطين أن ينهوا المسلمين عن ذلك. وهو قولُ مالكٍ وغيرهِ، لم أعلمْ أحداً اختلفَ في ذلكَ"[2].
ونحن ـ أيها الإخوة ـ الواجب علينا أن نقاطع هذه الاحتفالات، ألا يستطيع كلُّ واحدٍ منا أن يَمْنعَ أولادَهُ وبناتِهِ وكلَّ من في بيتِهِ عن هذه الاحتفالاتِ الماجنةِ.
فباللهِ عليكم كيفَ يُعْقلُ من أبٍ مسلِم أن يرَى أولادَهُ وبناته يستعدون ويهيئوون داخل بيته للاحتفال برأس السنة وهو لا يحرِّكُ ساكناً.
بل من الآباء المسلمين من يشاركهمْ في احتفالهم فيشتري لهم كلَّ الحاجياتِ، ويهيئُ لهم الجوَّ المناسبَ ليسهرَ مع أهله ومعارفه، وأصدقاء بناته، وصديقات أبنائه على أنغام الموسيقى المائعةِ، والأغاني الخليعةِ، والرَّقص المختلطِ... وكلِّ ما حرَّمَ اللهُ من أعمالٍ يندى لها الجبينُ، وتبكي لها المروءَة، وتئنُّ منها الغيْرَة، وتشكو منها الفضيلة.
ويَعتَبِرُ كلَّ هذا شيئاً عادِياً لا حرَجَ فيه، وينسى أنه مسؤولٌ عن رعيته الخاصةِ وصيانتها. قال تعالى: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَـئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَّ يَعْصُونَ ٱللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6].
فهل هذا الأب الذي لا يمنع أولاده من الاحتفال برأس السنة الميلادية، أو يشاركهم فيه، اتخذ لنفسه وقاية من النار؟
ألا فاتقوا اللهَ ـ عبادَ اللهِ ـ في أنفسكم فألزموها بطاعةِ اللهِ، وأبعدوها عن معصيتهِ، وحُثوا زوجاتِكم وأولادَكم على الالتزام بأحكام الشرع، وساعدوهم على ذلكَ، وازجروهمْ عن ارتكـاب المعاصي حتى لا تصيروا معهم إلى النار.
نفعني الله وإياكم بالقرآن المبين، وبحديث نبيه الصادق الأمين.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو التواب الرحيم.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] الترمذي، وصحيح الجامع الصغير (5434).
[2] المدخل (29) (ص 47، 48).
الخطبة الثانية
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، وعلى آله وصحبه.
أما بعد:
فيا إخوة الإيمان، اعلموا أن كثيراً من المسلمين سيشاركون في احتفالات عيد رأس السنة الميلادية، وما علم هؤلاء أن المشاركة فـيها مشاركة في شعيرة من شعائر النصارى، والفرح بعيدهم فرح بشعائر الكفر وظهوره وعلوه، وفي ذلك مـن الخطر على عقيدة المسلم وإيمانه ما فيه؛ فكيف بمن شاركهم في شعائر دينهم وحضر قداسهم ـ زعموا ـ؟
كيف يرضى المسلم أن يشاركهم في أعيادهم وهو يقرأ في كتاب الله عز وجل قول الله تعالى: مَّا يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ وَلاَ ٱلْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مّنْ خَيْرٍ مّن رَّبّكُمْ [البقرة:150].
كيف يفرح المسلم بعيد الكفار وهو يقـرأ في القـرآن قـول الباري جل وعز: وَدَّ كَثِيرٌ مّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِن بَعْدِ إِيمَـٰنِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ [البقرة:109].
كيف يجامل المسلم على حساب عقيدته ويشارك النصارى في شعائر كفرهم وهو يقرأ قول الله سبحانه: وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء [النساء:89]. وقوله تعالى: إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُواْ لَكُمْ أَعْدَاء وَيَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِٱلسُّوء وَوَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ [الممتحنة:2].
فيا أيها المسلمون، اتقـوا الله تعالى، واشكروا نعمته عليكم أن هداكم للإسلام، وخَصَّكم بمحمد نبيِّ الرحمةِ عليه الصلاة والسلام، وجعلكم ـ إن تمسكتم بهذا الدين، واتبعتم هذا الرسولَ ـ خير أمة أخرجت للناس.
واعتزوا بدينكم، فدينكم غنيٌّ بالعقيدةِ الصحيحةِ، والشريعةِ العادلةِ، والأخلاق الفاضلةِ.
ولا تغتروا بما يفعله أكثرُنا، فهم يجهلون حَقِيقة الإسلام... وقاوموا هذه البدعَ والمنكراتِ التي غَزَتْ مُجتمعاتِنا بعدم المشاركةِ فيها ومقاطعتِها، وصَحِّحُوا نِسْبَتَكمْ إلى دينِكمْ وٱتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مّن رَّبّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء [الأعراف:3].
وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ نَسُواْ ٱللَّهَ فَأَنسَـٰهُمْ أَنفُسَهُمْ أُولَـئِكَ هُمُ ٱلْفَـٰسِقُونَ [الحشر:19].
منقوووووووول للفائدة