لعل قول القائل: (إن التاريخ يعيد نفسه) لم ينطبق على تاريخ مثل تاريخ القدس.. القدس مدينة السلام تنعم بالأمن والاستقرار قرونا.. ثم لا يلبث الفصل الكئيب المتكرر من فصول مسرحيتها أن يفرض نفسه رغما عنها.. فيأتي الغرباء يحملون الحقد والموت ليطردون منها أهلها.. يقتلون أنبائها ويقتلعون شجرها ويدنسون مقدساتها.. فقد كانت القدس بعد تحرير صلاح الدين لها.. قد أرتدت لون الزيتون وتوشحت بوشاح السلام.. عاد إليها أبناءها على أختلاف الملل وعاشوا فيها عيشة رضية.. لاسيما اليهود الذين كانت لهم حارة في المدينة تسمى باسمهم فظلت محفوظة مصونة حتى هدمها الإسرائيليون.
يونس الكتري : اليهود بعد "السبي البابلي" وبعد الشتات الذي أصابهم وبعد الأندلس أنت تعرف أنهم تعرضوا في محاكم التفتيش.. ولم يحمهم إلا الإسلام العرب.. والمسلمون هم الذين حموا وعاش اليهود في كنف العروبة والإسلام بحرية تامة.. بدأوا تجميع قواهم إلى أن ظهر "هرتزل" الصحفي النمساوي أو المجري الذي بدأ يدعو لقيام دولة اليهود.. هكذا سماها بالمناسبة دولة اليهود لم يقل إسرائيل ولم يقل غير إسرائيل.
المعلقة : عاش (المسلمون والنصارى واليهود) في ظلال الدولة الإسلامية ينعمون بظلال المقدسات ويستمتعون بما فيها من خيرات.. وتبدأ المساومات على حكام بلدان العرب والمسلمين.. ترعاها الأطماع الغربية الاستعمارية.. كانت في عقول الاستعماريين خطة محكمة.. لبناء حكومات عميلة تلعب دور المحتل من داخل الدول العربية والإسلامية؛؛ ولأن السلطان العثماني للدولة الإسلامية بمثابة الرأس للجسد.. استغل الاستعماريون ودعاة الصهاينة الضعف العام الذي كان يشمل الدولة العثمانية.. والتي تعد فلسطين ولاية من ولاياتها.. فحاول هرتزل أن يصطاد في الماء العكر.. ويضغط على "السلطان عبد الحميد" من أجل أن يبيع فلسطين بالذهب.
أ.د/ نزار ريان : كان "تيودور هرتزل" يريد إقامة دولة إسرائيل في إفريقيا.. لكن خلافا أخر ذلك ثم عرض عليه الأنجليز إقامة دولة إسرائيل في بعض المناطق العربية من غير فلسطين.. ثم صار خلاف على مصادر المياه.. مع ذلك فمن أين جاءت أرض الميعاد أرض الميعاد التي يتحدثون عنها ليل نهار؟! أمس قررت المحكمة العليا في دولة اليهود أمس أن غزة ليست من أرض الميعاد.. وغدا سيقررون أن الضفة ليست من أرض الميعاد.. ونقرر نحن أن هذه الأرض أرض ملك الأمة المسلمة.. أرض الأمة ألتي أم نبيها بالأنبياء جميعا في بيت المقدس.
المعلقة : في عام 1897 للميلاد إستطاع "هرتزل" أن يعقد "المؤتمر الصهيوني الأول" بمدينة "بازل بسويسرا" قررت القوى الاستعمارية على إثره أن تقيم وطنا قوميا لليهود.. عرضت فيه خيارات عدة لموقع هذا الوطن.
يونس الكتري: عقد ا لمؤتمر الصهيوني الأول عام 1897 في بازل في سويسرا لمناقشة كيفية أول بعث كيان الشعب اليهودي.. ثم إقامة دولة اليهود كيف وأين؟ وكان يعني عند اليهود عدة طروحات.
1897 كانت الدولة العثمانية أو الإمبراطورية العثمانية في بداية ضعفها.. كان المد الغربي تجاه الشرق العربي يعني مفتح عينيه.. فكان مطروحا عند بعض اليهود "أوغندا" على سبيل المثال يمكن أن تكون وطنا قوميا لليهود.. كان مطروح الأرجنتين.. كان مطروح سيناء بالمناسبة كانت مطروحة "قبرص" ومن هذه المناقشات وإذا "هرتزل" الذي كان هو رئيس المؤتمر وكان عن يمينه "حاييم وايزمان" الذي أصبح فيما بعد أول رئيس لدولة إسرائيل.. بعد احتلال فلسطين.. بينزع الستارة من خلفه بالمنصة ويقول مقولته المشهورة: "تنساني يميني.. إن نسيتك أورشليم".
المعلقة : وكانت فكرة الصهيونية آنذاك فكرة ضعيفة.. انقدحت في أذهان "هرتزل" وأبتاعه.. فكروا فيها أن يجمعوا أفراد اليهود من بلدان العالم.. ويصنعوا لهم دولة لعل الفكرة تبدوا طبيعية لأول وهلة.. ولعلها تكون طبيعة أكثر لو أن مجموعة كبيرة منهم تعيش في دولة كبيرة.. فطلبوا حكما ذاتيا لكن الفكرة كانت شيطانية تقضي بجلاء أناس أبرياء.. عاشوا في بلادهم آلاف السنين.. وتحكم بطردهم بقوة السلاح والجنود وتكوين الدولة على أراضيهم.. وحتى تكون للفكرة مستند.. ولو كان غير مقبول أختاروا فلسطين بدعوى أن لهم فيها حقا تاريخيا.. وأي حق لأوروبي أو روسي أو أفريقي أن يأتي إلى صاحب دار فيطرده منها بل وربما قتله بدعوى أن جد جده مر من هنا؟!!.
أ.د/ نزار ريان: فنحن من شيد الأساس.. ونحن من أقامها.. ونحن من أعلى أسوارها.. ونحن من بناها.. ولذلك كل من مر بعد ذلك مر ومضى كما مضى الصليبيون القدماء.. وكما مضى قبلهم الرومان.. وكما مضى بعدهم الانجليز.. ستمضي هذه العصابة المارقة سيمضي اليهود الصهيونيين.. سيخرجون من أرضنا التي بيناها وصناها وحميناها بالعرق والدم عبر عقود طويلة.. لئن ضيعت فلسطين اليوم في غفلة منا نحن العرب المسلمين فستعود كما عادت يوم سيطر عليها الصليبيون فيما مضى.
المعلقة : لم يمضي وقت طويل حتى نجحت المؤامرة على الدولة الإسلامية العثمانية.. فتفككت أجزائها وتقاسمت الدول الاستعمارية ولاياتها.. فكان أول عمل لهم هو تقسيم الوطن العربي.. ورسم الحدود بين بلدانه.. وكانت فلسطين من حصة إنجلترا وفرض عليها ما سمي بالانتداب البريطاني.. الذي كان من أهم نتائجه هو (أعتبار إحتلال فلسطين حقا شرعيا دوليا) وكأنهم بهذا سينزعون عن الإحتلال صفته الوحشية.. وتعديه على مصائر الشعوب.. لم يأل سكان فلسطين العرب المسلمون الكنعانيون جهدا.. ولم يوفروا طاقة في محاولة الاستقلال وفك الانتداب وتكوين الدولة الحرة.
يونس كتري : مدينة القدس كانت إحدى السناجق.. وهي المراكز الإدارية كانت السلطنة العثمانية تقسم هذه الإمارات العثمانية إلى (سنجق بيروت,, سنجق دمشق.. سنجق نابلس.. سنجق القدس) فكانت إحدى الولايات الثمانية كـ"سنجق" أي يعني دائرة من الدوائر الإدارية في الإمارة العثمانية.. لكنها كانت محط أنظار المسلمين.. كون وجود المسجد الأقصى فيها.. والمسيحيين كون وجود كنيسة القيامة فيها.. ثم الغرب كله لأنها كما قلت تقع موقع القلب في فلسطين وموقع القلب من الوطن العربي كله.
المعلقة : عاد اليهود إلى معترك الأحداث بقوة.. فقد وجدوا تربة خصبة لمشروعهم في فلسطين المحتلة.. في ظل الانتداب البريطاني الذي أكد في وثائقه بالاعتراف في مال الشعب اليهودي من الصلة التاريخية بفلسطين.. وبموجبات إقامتهم من جديد لوطنهم القومي.. في تلك البلاد.. وبدأت الترتيبات العملية الخفية والعلنية لإنشاء هذا الوطن.. فتوالت الهجرات اليهودية من جميع مناطق وجودهم إلى فلسطين.. ليزداد عددهم ثلاثة أضعافه في عقدين من الزمن.. فما كان من أهل فلسطين إلا التعامل معهم كسياح وضيوف.. ففلسطين والقدس تتسعان لكل طيف.. وأهلها أهل الكرم والشجاعة الشهامة فتعاملوا بطباعهم ولم يعلموا بالذي ينتظرهم.
يونس كتري : جاءت الهجرة اليهودية إلى فلسطين منذ مؤتمر الصهيوني الأول.. وأخذت أعدادهم تزداد كانوا بالمئات في الحرب العالمية الأولى عام 1917.. عندما احتلت بريطانيا فلسطين.. كان عددهم بيقدر بالآلاف وصلوا إلى 24 ألف عندما تم تكليف هربرت صموئيل الصهيوني كمندوب سامي بريطاني لبريطانيا على فلسطين.
أبو علي شاهين ـ عضو المجلس التشريعي الفلسطيني : الحرب العالمية الثانية وهزيمة "ونستر تشرشل" ربما يمثل من إندفاع نحو الصهيونية المسيحية.. وأصول حزب العمال البريطاني.. برئاسة "كليمنت أتلي" ووزير خارجيته "أنورين بيفن" إلى الحكم عام 1945 فإن هذا قد انعكس على القضية الفلسطينية نظرا لموقف حزب العمال البريطاني.. الذي لم يكن يتطابق تمام الإنطباق مع رأي حزب المحافظين.. نعم ليست هناك فروقات جوهرية في السياسة الاستعمارية.. ولكن هناك أيضا رتوش معينة يأخذ بها هذا الحزب.. ولا يأخذ بها الحزب الآخر.. في تلك المرحلة أرادت بريطانيا أن تتخلص منها لقضية الفلسطينية على أمل أن يكون هناك رجاء دولي أن تبقى في فلسطين.. ولكن هذا الرجاء الدولي سرعان ما الولايات المتحدة الأمريكية ما شعرت بأنها فرصتها للتخلص من الوجود البريطاني في فلسطين