بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين،والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات. أيها الأخوة الكرام مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى وهو اسم " المعطي"
ولم يرد هذا الاسم في القرآن الكريم، بل ورد في السنة. ففي صحيح البخاري يقول ـ عليه الصلاة والسلام ـ: "من يرد الله به خيرًا يفقه في الدين، والله المعطي وأنا القاسم، ولا تزال من أمتي ظاهرين على من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون".
أول ملمح في الحديث كرامة العلم أعظم كرامة. قال تعالى: {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً}(النساء: من الآية113)
لأن الله ـ سبحانه وتعالى ـ أودع في الإنسان قوة إدراكية، وما لم يبحث عن الحقيقة، وما لم يطلب العلم فقد هبط من مستوى إنسانيته إلى مستوى ركوبه. لذلك كرامة العلم أعظم كرامة عند الله، إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، يقول تعالى:
{هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ}(الزمر: من الآية9)،
{وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا}(الأنعام: من الآية132)،
{يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}(المجادلة: من الآية11)
فالله ـ سبحانه وتعالى ـ اعتمد في القرآن الكريم العلم والعمل كقيمتين مرجحتين بين خلقه، فبطولة الإنسان أن تأتي مقاييس التفوق عنده كما هي في القرآن. الناس في الدنيا يعظمون الأغنياء والأقوياء، ولكن القرآن الكريم بين لنا أن رتبة العلم أعلى الرتب، {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ}
وهناك علم بخلقه، وعلم بأمره وعلم به، العلم بخلقه وبأمره يحتاجان إلى مدارسة، يعني إلى كتاب وإلى معلم وإلى شهادة وإلى امتحان. هذه مدارسة، ولكن العلم به يحتاج إلى مجاهدة..
على كل الملمح الأول من الحديث الشريف "من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين". والبطولة لا أن يكون طلب العلم بأوقاتك الهامشية، يجب أن يكون طلبك للعلم جزءًا من خطتك في الحياة. فيه إنسان بحسب فراغه يطلب العلم. أما فيه عنده أشياء أساسية لا يعلو عليها شيء. أما المؤمن طلب العلم جزء أساسي من حياته، ولا يعلوا عليه شيء، لأنه كما قال سيدنا علي ـ رضي الله عنه ـ، "يا بني العلم خير من المال؛ لأن العلم يحرسك وأنت تحرس المال، والمال تنقصه النفقة، والعلم يزهو على الإنفاق. يا بني مات خزَّان المال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة" ..
إذًا في الإنسان حاجات سفلى وفيه حاجات عليا. الحاجات العليا الكبيرة طلب العلم، فما لم يطلب الإنسان العلم، لا يرقى إلى مستوى إنسانيته، والإنسان من دون علم وُصف في القرآن الكريم كأنه كالأنعام، بل هم أضل سبيلا.
{مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً}(الجمعة: من الآية5)
{فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ}(لأعراف: من الآية176)
بل أبلغ من ذلك: { كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ}(المنافقون: من الآية4)
لذلك الذي يرقى بالإنسان إلى مستوى إنسانيته وإلى مستوى يليق به طلب العلم.
إلا أن الحديث في ملمح ثاني وهو موضوع درسنا، والله المعطي وأنا القاسم. الملمح الثاني أنه الأصل أن هذا الماء من عطاء الله، احنا وضعناه في خزانات، سقناه إلى البيوت بأنابيب، وزعناه بقوارير هذا عمل ثانوي، عمل لا يعد من صلب الماء. الماء منحة من الله ـ عز وجل ـ، فكل شيء الأصل أنه عطاء من الله. إحنا تفننا في عرضه بتعليبه، في تغليفه، في وصوله. أما الأصل أن الله هو المعطي، والله المعطي وأنا القاسم.
الآن... دائما وأبدًا فيه بالأسماء الحسنى أسماء يجب أن تُلفظ معًا، فيه اسم الضار، الأولى أن يُلفظ اسم الضار مع اسم النافع. تقول ضار نافع، معطي مانع، معز مذل، لماذا؟ قال لأن الله سبحانه وتعالى يمنع ليعطي، ويأخذ ليعطي، ويخفض ليرفع، ويذل ليعز. لأنه الإنسان أحيانًا حمل الأمانة، ولكنه قصر في حملها. تأتي المعالجة، الفرق واضح جدًا بين من يعين موظفًا ويعطيه مهلة ستة أشهر، مهمته صاحب المؤسسة أن يحسب على هذا الموظف أخطاءه، بس ما في رحمة، فإذا كانت بحجم لا يُحتمل ألغى عقده. أما إذا كان هذا الموظف ابنه يتابعه، كل خطأ يقف عنده ويعطيه التوجيه، رحمة الأب تقتضي المتابعة، لأن الله رب العالمين، فإذا الإنسان أخطأ يتابعه. يعني أنا أتصور لو أن الله ـ سبحانه وتعالى ـ لم يرب عباده، كان معظمهم إلى النار، ولكن هذا بمرض، هذا بقلق، هذا
بشبح مصيبة، هذا بمرض معين، بضيق معين، فالله ـ عز وجل ـ يسوقنا إلى بابه سوقًا، وهذا من
نعم الله ـ عز وجل ـ، فهو معطي ومانع، خافض ورافع، معز ومذل.