بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ومن بحور الشهوات إلى جنات القربات.
أيها الإخوة الكرام.. كما تعلمون أن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة، وفى القران الكريم: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها }، وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لله اسماً أعظماً، فما اسم الله الأعظم؟ بعضهم قال الحي القيوم.. وهناك اجتهاد مقبول أن اسم الله الأعظم هو الاسم الذي يتعلق بحالك، فالمريض اسم الله الأعظم له الشافي والفقير اسم الله الأعظم له المغني والمظلوم اسم الله الأعظم له العدل والمقهور اسم الله الأعظم له الناصر، وقد ورد أن الرب اسم الله الأعظم؛ لأنه أقرب الأسماء الحسنى إلى الإنسان؛ لذلك قال تعالى: {لا أقسم بهذا البلد وأنت حلٌ بهذا البلد ووالد وما ولد }، الحقيقة.. نظام الأبوة من أكبر الآيات الدالة على عظمة الله. إن الإنسان سعادته بسعادة ابنه، طمأنينته بطمأنينة ابنه. نظام الأبوة يدل على الله.. إنسان يتمنى أن يسبقه يتمنى أن يتفوق عليه لا يسعده إلا سلامته وسعادته؛ لذلك قال الله سبحانه وتعالى: {لا أقسم بهذا البلد وأنت حلٌ بهذا البلد ووالد وما ولد}، يعني لو تصورنا أن مؤسسة ضخمة أرادت تعيين موظف فهذا الموظف يخضع للتجريب في هذه الفترة التجريبية، تحصى عليه أخطاؤه، فإذا كانت بحجم غير مقبول رفض. ولكن لو أن مدير المؤسسة أراد أن يكون ابنه هو الموظف، ما الذي يحصل؟ ليس القصد هنا إحصاء الأخطاء، ولكن القصد أن يربى. فعند كل خطأ يوجه، يعلم، يحاسب، هذا شأن الأب. فإذا قلنا: الحمد لله رب العالمين، ما معنى كلمة رب؟ بالمعنى البسيط الأولي البديهي أن الأب يهيأ لأسرته بيتاً، يهيأ لهذا البيت أثاثاً، يهيأ لهذا البيت أجهزة، يهيأ لهذا البيت طعاماً وشراباً، إن رأ ابنه مريض يسارع إلى معالجته ويشرف على إعطاء الدواء. وإن رأى في يد ابنه حاجة ليست له يسأله، يحقق معه، قد يعاقبه، قد يؤدبه. يعني أبسط شرح لمعنى الرب هو الأب الحاني على أولاده، يهيأ المسكن والحاجات والطعام والشراب والمدرسة والغرفة الخاصة والتوجيه والتعليم والمحاسبة والتربية والعقاب أحيانا والمكافأة أحيانا والتكريم.
إذن: يمكن أن نفهم معنى اسم الرب ببساطة من أب حاني.. من أب عالم.. من أب رحيم.. من أب يسعى لإمداد أولاده بكل ما يحتاجون، ويسعى لتربية أجسامهم وتربية عقولهم وتربية نفوسهم وتربيتهم تربية اجتماعية، وتربيتهم تربية بدنية، وتربيتهم تربية جنسية، هذا الأب الحاني العالم الرحيم الذي لا يقلقه إلا مصير أبنائه.. لا يقلقه إلا سعادتهم، إلا إيمانهم، إلا سموهم. يمكن أن نفهم معنى هذا الاسم الذي يمكن أن يكون اسم الله الأعظم من مفهومات الأبوة والبنوة؛ لذلك ليس عجيبا أن يأتي نظام الأبوة آية دالة على عظمة الله {لا أقسم بهذا البلد وأنت حل بهذا البلد ووالد وما ولد لقد خلقنا الإنسان في كبد}.
هذا الاسم أيها الإخوة ورد في القران الكريم: { سلام قولا من رب رحيم}، {بلدة طيبة ورب كريم}، ولعل هذا الاسم هو أقرب الأسماء الحسنى إلى الإنسان؛ لأن الله سبحانه وتعالى يربينا، يربي أجسامنا، ويربي نفوسنا، ويربي عقولنا عن طريق آياته الكونية وعن طريق آياته التكوينية وعن طريق آياته القرآنية. لو أردنا أن نختار مخلوقاً من أتفه المخلوقات على الإنسان "البعوضة"، البعوضة في رأسها مائة عين، في فمها ثمانية وأربعون سنة، في صدرها ثلاثة قلوب.. قلب مركزين وقلب لكل جناح. كل جناح له قلب، وفي كل قلب أذينان وبطينان ودسامان: {قال فمن ربكما يا موسى قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه}.
من أدق معاني الربوبية أن الله عز وجل أعطى كل شيء خلقه، هي بحاجة أن ترى الأشياء لا بلونها ولا بأحجامها ولا بأشكالها، بحاجة أن ترى الأشياء بحرارتها.أعطى الله البعوضة جهاز استقبال حراري حساسية هذا الجهاز واحد على ألف من الدرجة المئوية: { من ربكما يا موسى قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى}، أعطاها جهاز استقبال حراري.. أي جهاز رادار.أعطى البعوضة جهاز تحليل للدم، ما كل دم يناسبها. تحلل الدم أولاً، ثم تمتصه ثانياً، وقد ينام أخوان على سرير واحد يستيقظ الأول وقد ملئ بلسع البعوض، والثاني لم يصب بشيء.أعطى البعوضة جهاز تمييع للدم؛ لأن لزوجة دم الإنسان لا يسري في خرطومها. في جهاز تمييع: {أعطى كل شئ خلقه ثم هدى}، أعطى البعوضة جهاز تخدير؛ لئلا تقتل في أثناء امتصاص الدم، تمتص الدم وتطير وتبتعد. ينتهي مفعول التخدير فيشعر الإنسان بوخز في يده فيتوهم أنها على يده فيضربها وهي في سماء الغرفة تضحك عليه: {أعطى كل شيء خلقه ثم هدى}، أعطاها جهاز تحليل، أعطاها جهاز تمييع، جهاز تخدير، جهاز استقبال حراري، في فمها ثمانية وأربعون سناً، في رأسها مائة عين، في صدرها ثلاثة قلوب.. قلب مركزي وقلب لكل جناح، الآن في خرطومها ست سكاكين.. أربع سكاكين لإحداث جرح مربع وسكينان على شكل أنبوب امتصاص في الدم، وفى أرجلها محاجن إذا وقفت على بلور على سطح أملس على الضغط، وفى أرجلها مخالب إذا وقفت على سطح خشن: {من ربكما يا موسى قال ربنا الذي أعطى كل شئ خلقه}، وقس على ذلك: {لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم}، أعطاك عينين من أجل أن تدرك البعد الثالث بعين واحدة ترى الطول والعرض، بعينين ترى البعد الثالث، أعطاك أذنين من اجل أن تعرف جهة الصوت قد ينطلق بوق مركبة من على يمينك يدخل هذا الصوت إلى الأذن اليمنى قبل اليسرى بفارق واحد على ألف وستمائة وعشرون جزء من الثانية، في بالدماغ جهاز يكشف تفاضل الصوتين فيكتشف أن البوق في الجهة اليمنى فيعطي الدماغ أمراً بالانتقال إلى الجهة اليمنى: {أعطى كل شيء خلقه ثم هدى}، لكل شعرة وريد وشريان وعضلة وعصب وغدة دهنية وغدة صدغية: {من ربكما يا موسى قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى}، في شبكية العين مائة وثلاثين مليون عصب ومخروط مائة وثلاثين مليون بملي وربع. يعني بواقع مائة مليون مستقبل ضوئي في كل ملي متر مربع من أجل أن تميز بين ثمانية مليون لون:{أعطى كل شيء خلقه ثم هدى}، جعل في ماء العين مادة مضادة للتجمد، جعل الدماغ يتألف من مائة وأربعين مليار خلية استنادية سمراء لم تعرف وظيفتها بعد أن: {أعطى كل شيء خلقه ثم هدى}، يعني الحديث عن الجسم والله يستغرق سنوات وسنوات: {وفى أنفسكم أفلا تبصرون}.
دقق في معنى الربوبية: {أعطى كل شيء خلقه}، يعني هذا في الإنسان، الإنسان عظمه ينمو ويصل إلى الحد المناسب ويتوقف النمو. يعبر العلماء عن هذه الحالة بنوم الخلية العظمية يكسر العظم بعد سبعين سنة تستيقظ الخلية العظمية وترمم هذا الكسر: {أعطى كل شيء خلقه ثم هدى}، لم يجعل لك في شعر الأعصاب حسا وإلا أنت مضطر إلى أن تذهب إلى المستشفى وتخدر تخديراً كاملاً كي تحلق شعرك: {أعطى كل شيء خلقه ثم هدى}، نحن نفهم الأشياء فهماً سطحياً، لو تأملنا في خلقنا لرأينا عظمة الله عز وجل.