بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين. اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
أيها الأخوة الكرام. لا زلنا في اسم المعطي. ولو تساءلنا... الله ـ عز وجل ـ ماذا يعطينا؟ يعطنا نعما دنيوية، يعطينا صحة، يعطينا قوة، يعطينا المال، يعطينا الجمال، ويعطينا نعما إيمانية، يعطينا السكينة، يعطينا الأمن، يعطينا الرضا، يعطينا السعادة، يعطينا نعما لا تعد ولا تحصى. لكن نعم الله ـ عز وجل ـ ما كان منها في الدنيا تنقضي بانقضاء الدنيا. فلذلك يقول الله ـ عز وجل ـ
{ فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ}( الفجر 15 ـ 16) جاء الجواب مع الردع. كلا يعني يا عبادي ليس عطائي إكراما في الدنيا ولا منعي حرمان. عطائي ابتلاء وحرماني دواء. فلذلك الله يعطي الصحة والذكاء والقوة والجمال والمال. هذه للكثيرين من خلقه، لكنه يعطي السكنية بقدر للأصفياء المؤمنين، يعطيك نعما إيمانية يعطيك الرضا أنت راضي؟ راضي عن الله، راضي عن نفسك؟ بمعنى قبلت قضاء الله وقدره، راضي عن ما نزل بك من محن ليقينك القطعي أن هناك حكمة بالغة. فلذلك أيها الأخوة حينما نؤمن أن كل شيء بقضاء من الله، وقدر وأن الإيمان بالقدر يذهب الهم والحزن، وأن الإيمان بالقدر نظام التوحيد. ولكل شيء حقيقة وما بلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه. ولا تقل لو أني فعلت كذا وكذا، ولكن قل قدر الله وما شاء فعل. فإن كلمة لو تفتح عمل الشيطان، ولا ينبغي للمؤمن أن يقول لو، ليس في قاموسه لو، ليس في قاموس المؤمن كلمة لو. لو لم أسر بهذا الطريق لم يقع الحادث، هذا طريق مسدود. لكن قل قدر الله وما شاء فعل. فإن كلمة لو تفتح عمل الشيطان، والله ـ عز وجل ـ حينما يقول{ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ}(العنكبوت 45) من أدق معاني هذه الآية أن ذكرك لله ـ عز وجل ـ وأن الله يذكرك. لكن ذكر الله لك أكبر من ذكرك له، أنت إذا ذكرته أديت واجب العبودية، لكنه إذا ذكرك أعطاك الأمن، والأمن نعمة خاصة بالمؤمنين. إذاً ذكر الله لك أكبر من ذكرك له. إن ذكرك منحك الحكمة { وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا}( البقرة 269) ذكر الله لك يمنحك السكينة سعادة ما بعدها سعادة، لا يعرفها إلا من ذاقها. إذا ذكرك الله ـ عز وجل ـ أعطاك الرضا. فلذلك الله ـ عز وجل ـ يعطي نعما دنيوية، ويعطي نعما أخروية، أو يعطي نعما إيمانية. النعم الإيمانية تسعد بها إلى أبد الآبدين. النعم الإيمانية، والنعم الدنيوية تنقضي بانقضاء الدنيا. فلذلك ليس عطاء إكرام ولا منع. عطائي ابتلاء، وحرماني دواء.{ كُلاًّ نُّمِدُّ هَـؤُلاء وَهَـؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُورًا} ومن أرادا الآخرة {مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا كُلاًّ نُّمِدُّ هَـؤُلاء وَهَـؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُورًا}( الإسراء 18 ـ 20) إنسان يختار الغنى ويموت وتبقى أغانيه تذاع في الإذاعات إلى يوم القيامة. إنسان يختار القرآن ويموت وتبقى تلاوته تذاع في الإذاعات إلى يوم القيامة. كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك. إنسان بنى مسجدا، إنسان بنى ملهى. الإنسان مخير اختر ما شئت وافعل ما شئت، لكن كل شيء بحسابه. كلمة { كُلاًّ نُّمِدُّ هَـؤُلاء وَهَـؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُورًا}يعني الله ـ عز وجل ـ لا يتعامل مع التمنيات، ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب. التمنيات بضائع الحمقى. الله ـ عز وجل ـ يتعامل الصدق. ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها... علامة إرادتها صادقا أن يسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا. فلذلك هذه الآية أصل في العقيدة الله ـ عز وجل ـ خلقك منحك حرية الاختيار وقال لك عبدي اطلب تعطى إن أردت الدنيا تأخذ الدنيا ومالك في الآخرة من خلاق. إن أردت الآخرة تأتيك الدنيا وهي راغمة. لذلك أقول دائما من آثر آخرته على دنياه ربحهما معا، ومن آثر دنياه على آخرته خسرهما معا. الآية الكريمة { إنا أعطيناك الكوثر } أيها الأخوة أي عطاء ينتهي بالموت ليس في كرم الله عطاء، أي عطاء ينتهي بالموت ليس في كرم الله عطاء. لكن عطاء الله عطاء أبدي مستمر، فلذلك إنا أعطيناك الكوثر. وقال علماء التفسير كل مؤمن بقدر إيمانه وإخلاصه واستقامته وعمله الصالح له من هذه الآية نصيب. { ورفعنا لك ذكرك } كل مؤمن بحسب إيمانه واستقامته وإخلاصه له من هذه الآية نصيب. إنا أعطيناك الكوثر. أم العطاء الأبدي السرمدي الذي خلقنا من أجله، {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ} ( هود 108) يعني كلنا ننتقل من بيت إلى قبر، والبيت معتنى فيه جدا، فيه زوجة وأولاد وغرف ضيوف، وغرف جلوس مطبخ حمام مركبة على الباب، واقفة في نزهات توقف القلب وضع في القبر، ماذا في القبر. الذكاء والتوفيق والعقل أن تعيش المستقبل لا أن تعيش الماضي، ولا أنت تعيش الحاضر. الذي يعيش الماضي غبي لأنه ما مضى فات والمأمول غيب، ولك الساعة التي أنت فيها. والذي يعيش المستقبل هو أعقل العقلاء. ماذا في المستقبل في مغادرة الدنيا، ماذا أعددنا لهذه الساعة؟ فلذلك الجنة عطاء غير محدود. ما هي الخسارة؟