السلام عليكم ورحمة الله
و
الخلاصة أن جمهور العلماء يقول باستحباب السواك للصائم أول النهار وآخره، وأن المشهور من قول الشافعية والحنابلة عدم اسحبابه بعد الزوال حتى لا تتغير الرائحة (خلوف الصائم) التي هي أطيب عند الله من ريح المسك.
الاستياك أمام الناس:
اختلف الفقهاء في ذلك. وعامة الفقهاء على جوازه استناداً إلى:
ما ورد من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال: (أتيت النبي r وهو يستاك وطرف السواك على لسانه يقول أع أع والسواك في يده كأنه يتهوع). أخرجه الشيخان والنسائي وابن خزيمة والبيهقي والجوزقي.
أن السواك من باب العبادات والقرب. وهي لا تُحفى. وقد ذكر ذلك ابن حجر العسقلاني في الفتح وكذا ابن عبد البر.
ما جاء في سُنن الترمذي أن الصحابي زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه كان يشهد الصلوات في المسجد وسواكه على أذنه موضع القلم من أذن الكاتب، لا يقوم إلى الصلاة إلى استنّ ثم رده إلى موضعه.
ما ورد من أن الصحابة كانوا يستاكون في المسجد، ولم يرد نهي من النبي r لهم عن ذلك. بل كانت السنة الصريحة هي الاستياك لكل صلاة.
وورد عن الإمام مالك عدم الاستياك في المساجد لأنه من باب إزالة القذر، فقد قال القاضي عياض (وهو مالكي): بأن ذا مروءة لا ينبغي له فعل السواك أمام الناس. وقد أجاب المالكية مما ورد من حديث أبي موسى الأشعري من وجهين:
الأول: أن النبي r لم يبدأ بالاستياك بحضرة أبي موسى بل كان متلبّساً به قبل مجيئه.
والثاني: أن النبي r كان يُستشفى بفضلاته فلا يُستقذر ذلك منه، بخلاف غيره.
ويقول المالكية:
(ولا خلاف في كون السواك من العبادات والقرب. ولكن الاستبراء من البول والغائط والاستنجاء واجب، ونتف الإبط والاستحداد مندوب، وكلها القرب والعبادات، ولكنها جميعاً ينبغي أن تُخفى ولا تُفعل أمام الناس، فإن قيل لأن في ذلك كشف العورة، أُجيب بأن الإبط ليس من العورة ونتف شعره يعتبر من إزالة القذر ولذا فلا ينبغي أن يُفعل بحضرة الناس).
والخلاصة أن جمهور الفقهاء يرى أن السواك سنة في كل حين ولك وقت وخاصة عن الصلاة، وبما أن الفروض الخمسة لا تقام إلا في المساجد والجماعات فإن السواك بحضرة الناس وفي المساجد يكون من السنن المندوبة.. ويرى المالكية عدم استخدام السواك في المسجد لأن الاستياك إزالة للقذر، والمساجد منزهة عن الأقذار.
مدى مشروعية السواك في حقه r:
أخرج أبو داود في سننه أن أسماء بنت زيد بن الخطاب حدثها عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر: (أن رسول الله r أُمر بالوضوء لكل صلاة طاهراً وغير طاهر، فلما شقّ ذلك عليه أُمر بالسواك لكل صلاة).
وفي الحديث دلالة واضحة على أن السواك مشروع في حقه r لولا أن أهل العلم بالحديث ضعّفوا الحديث. قال الزين العراقي: في إسناده محمد بن إسحاق، وقد رواه بالعنعنة، وهو مدلّس، فلا يصلح للاحتجاج به.
وقد أحرج الإمام أحمد عن واثلة بن الأسقع أن رسول الله r قال: (أُمرت بالسواك حتى خشيت أن يُكتب عليّ). قال العراقي: وإسناده حسن. والحديث صريح في أنه لم يكتب عليه r وإنما كان من السنن المندوبة.
كيفية الاستياك؟
قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم:
(والمستحب أن يستاك عرضاً ولا يستاك طولاً لئلا يُدمي لحم أسنانه، ويستحب أن يُمر السواك على طرف أسنانه وكرسي أضراسه وسقف حلقه إمراراً لطيفاً. ويستحب أن يبدأ في سواكه بالجانب الأيمن. وأن يعوّد الصبي السواك ليعتاده.
وقال في المجموع: (يستحب أن يستاك عرضاً في ظاهر الأسنان وباطنها، ويمرّ السواك على أطراف أسنانه، وكراسي أضراسه، ويمره على سقف حلقه إمراراً خفيفاً...
وأما جلاء الأسنان بالحديد وبردها بالمبرد فمكروه لأنه يضعف الأسنان ويفضي إلى انكسارها، ولأنه يخشّنها فتتراكم الصفرة عليها).
وقد نهى رسول الله r عن التلّج للحُسن... وهو توسعة ما بين الثنايا وبردها بالمبرد، وهو أمر كانت النساء تفعله لأن من صفات الجمال عند العرب وجود فراغ خفيف بين الثنايا.. وهو أمر يؤدي إلى سقوط الأسنان أو انكسارها أو يجعلها خشنة لأنه يزيل طبقة المينا (Enamel) المهمة لحماية الأسنان.
والأمر بالاستياك عرضاً قد جاء في بعض الأحاديث المتقدم ذكرها، حيث جاء في سنن البيهقي عن ربيعة بن أكثر أن رسول الله r كان يستاك عرضاً ويشرب مصاً ويقول هو أهنأ وأمرأ. وفي سنن البيهقي أيضاً (وأخرجه أبو داود كذلك في المراسيل) عن عطاء بن أبي رباح قال: قال رسول الله r إذا شربتم فاشربوا مصاً وإذا استكتم فاستاكوا عرضاً.
ومثله عن سعيد بن المسيب أن النبي r كان يستاك عرضاً ويشرب مصاً ويتنفس ثلاثاً (أخرجه أبو نعيم وابن عساكر).
وكلها أحاديث فيها ضعف لعدم ذكر الصحابي وهؤلاء التابعين لم يلقوا النبي r.
ولكن ما هو المقصود بالاستياك عرضاً؟ لم يبين لنا العلماء السابقون تفصيل ذلك. أما في الطب الحديث فإن أطباء الأسنان يقولون: إن اتجاه الفرشاة في تنظيف الأسنان العلوية ينبغي أن يكون من الأعلى (جهة اللثة) إلى أسفل نحو الأسطح الماضغة والقاطعة للأسنان، واتجاه الفرشاة في تنظيف أسنان الفك الأسفل ينبغي أن تكون من الأسفل إلى الأعلى أي من اللثة إلى الأعلى نحو الأسطح الماضغة والقاطعة للأسنان.
وأطباء الأسنان يسمون ذلك الاستياك طولاً، أي بالنسبة لمحور السن. فهل ما ورد في الأحاديث وكلام العلماء من الاستياك عرضاً يختلف عنه أم أنه نفس المقصد مع اختلاف التعبير لأن الطول والعرض يعتمد على تحديد المحور فإذا قصد محور الفم كان الاستياك عرضاً هو ما ذكره الأطباء المحدثون ذاته حيث تتجه الفرشاة من أعلى لأسفل في الفك الأعلى وعكسه في الفك الأسفل.
ومن الجدير بالذكر أن رسول الله r كان ينظف لسانه طولاً عند الاستياك وهو حديث أبي موسى الأشعري الذي أخرجه البخاري ومسلم وابن خزيمة والبهقي والنسائي وأبو داود. وفيه أن أبا موسى الأشعري دخل على النبي r وهو يستنّ بسواك، والسواك على طرف لسانه كأنه يتهوع يقول أع أع.
وهو أمر يوضح أهمية تنظيف اللسان وإمرار السواك أو الفرشاة عليها وذلك لإزالة ما يتراكم عليها من بقايا الطعام وإفرازات اللعاب مما يؤدي إلى تجمع الميكروبات.. وأهمية تنظيف اللسان تكاد تعدل أهمية تنظيف الأسنان.. وقد اهتم بها الأطباء في العصور الحديثة بعد فترة طويلة من الإهمال.
ولا شك أن استخدام السواك المعتدل الخشونة لا اللين الرطب؛ ولا اليابس الذي يجرح؛ هو الذي يزيل القَلَح والرائحة ويطيّب الفم. وإذا لم يجد الإنسان شيئاً يستاك به استخدم خرقة لتنظيف فمه وأسنانه.. وهو أمر يمكن استخدامه للمريض المُدْنِف، والفاقد وعيه أو الذي لا يستطيع أن يستاك بسبب شلل أو غيره.
وقد تقوم الإصبع ـ الخشنة نسبياً ـ وتدليك الفم بها عند المضمضة، مقام السواك عند فقده. وهو أمر له أهميته البالغة لأن ترك تنظيف الفم يؤدي إلى إصابة الفم والأسنان بالأمراض.
وأما التيامن، وهو أن يبدأ بجهة اليمين من الفم، فهو أمر قد حثّ عليه المصطفى r لأنه كان يحب التيامن في ترجله وتنعله وتطهره وسواكه. ففي حديث عائشة رضي الله عنها أنه كان r يعجبه التيمن في ترجله وتنعله وتطهره وسواكه. وبما أن السواك من باب التطيّب فإن كثيراً من العلماء رأوا أن يتسوك بيده اليمنى.
وقال بعض الشافعية وكذا المالكية: إن السواك هو من باب إزالة القذر فلذا ينبغي أن يستاك باليد اليسرى التي تستخدم للتمخط وإزالة القذر. ولكنهم اتفقوا جميعاً على استحباب البدء بالتسوك بالجهة اليمنى من الفم.
وهكذا تتضح أهمية التعاليم الإسلامية في الاستياك، وما يُستاك به، وما يُجتنب، وكيفية فعل ذلك.
ارجو ان تستفيدو اخوتي الكرام وبارك الله فيكم